• !
لمياء عبدالله النفيعي

المقَيَّنَة ..وهوس عملية التجميل

لمياء عبدالله النفيعي

 0  0  28890
لمياء عبدالله النفيعي
تحب المرأة الاعتناء بنفسها وتبحث عما يبرز جمالها، وتركز على إظهار معالم أنوثتها بشتى الطرق، وهذا طبيعة غريزية عند كل امرأة ترغب بأن تزداد جمالاً، والمحافظة على شبابها، و لإرضاء ذاتها مهما كانت النتيجة، والتجميل جزء لا يتجزأ من حياتها مهما اختلفت حالتها الاجتماعية وجنسيتها وثقافتها فهي لا تترد أبدًا بالبحث عن طرق لتضيف إلى جمالها جمالاً، ولكن يختلف من امرأة إلى أخرى ما بين واقعي وما بين هوس وتقليد المشاهير، وفن التجميل ليس فنًا مستحدثًا، بل دلت الآثار القديمة على أن الإنسان مهتمًا بمظهره ولجأ إلى استخدام مستحضرات التجميل على مختلف العصور التي تختلف عما هو الآن في الوقت الحاضر، وأن فن التجميل يعود تاريخيًا ما يقارب 10000 عام ما قبل الميلاد.

كانت الحضارات القديمة تستخدم المكياج في الطقوس الدينية بإلإضافة لزيادة الجمال وبعض الأحيان لتعزيز الصحة، وبعض الحضارات كانت تستخدم المكياج وفقًا لنظام طبقي فيها، فالحضارة الفرعونية كانوا يستعملون مستحضرات التجميل بكثرة من أجل التفاخر والتباهي وخاصة الكحل، وبالنسبة للحضارة الرومانية كانت النساء يستعملن كثير من الوصفات التجميلية لزيادة جمال الوجه، وقد عرف عن الرومانيين ابتكار وصفات تجميلية كثيرة مستخلصة من النباتات أو الخضروات، حتى تغيير لون الشعر، و في الحضارة اليونانية توصلن النساء إلى معرفة تسريح وتصفيف الشعر التي تميزت بها ومازالت التسريحات موجودة حتى يومنا هذا، كما استخدمن الحواجب الاصطناعية التي كانت لها شعبية واسعة في ذلك الوقت، وكان الصينيون يقومون بتلوين أظافرهم، وكانت الألوان لها دلالات على الطبقة الاجتماعية التي ينتمي إليها الفرد، وكان ممنوع على طبقات الدنيا استخدام الألوان الزاهية، وأما الحضارة الهندية كانوا يستخدمون الحناء لصبغ شعرهم والتزيين في حفلات زفافهم، وفي أوروبا كانت مستحضرات التجميل حكراً على الطبقة الاستقراطية، وصبغ الشعر باللون الأحمر ذو شعبية كبيرة في انكلترا، وهوس المرأة الأوربية بتفتيح بشرتها بمادة الرصاص الأبيض لتبدو بشرتها بيضاء، و في القارة الأفريقية لكل قبيلة لها فن تجميل خاص بها يختلف من قبيلة إلى أخرى، حيث تُدهن البشرة بزيت الكافور والياسمين لمدة عشرة أيام وتزيين وجوه الفتيات والفتية بمسحوق العاج الإفريقي.

كانت الزينة لدى المرأة العربية قديمًا بسيطة جدًا ألا أنها كانت تحرص على إبراز ملامح الجمال العربي والتي ترتكز في جمال العينين باستخدام الكحل "الأثمد"وتزيين اليد والقدم بالحناء أو النقش،ووضع الحناء أو السدر على شعرها، وفي الحجاز خاصة عند موعد اقتراب زواج الفتاة تتولى "المقَيَّنَة" عملية تجهيز العروس فترجل شعرها وتزينها بالُحلي، وتزيين وجهها بأدوات الزينة البسيط كالكحل وألياف "الديرم"، وصبغ الشعر بالحناء، وتعطيرها بالعطور ،وتقوم ايضا بتزيين النساء في يوم الزفاف أو انتهاء فترة النفاس، أو عند عودة الزوج من السفر، وفي الأعياد، والمناسبات حتى بداية السبعينات، من ثم اختفت هذه المهنة وحلت محلها الصالونات النسائية .

لقد تطور فن التجميل في العصر الحديث تطورًا كبيرًا وسريعًا، بسبب توفر أحدث التقنيات والأدوات الخاصة بالتجميل، والإقبال على الصالونات النسائية للعناية بالشعر والبشرة، وتنافس شركات التجميل بتقديم كل ماهو أفضل لديها من منتجات تخص المرأة، حيث كانت كل امرأة لها جمالها وشخصيتها التي تناسبها وتميزها عن غيرها، حتى تطور الأمر وتغير فن التجميل ومفهومه ومعاييره عبر الزمن وكذلك العمليات التجميلية التي كانت تنحصر لأسباب مثل عيب خُلقي، أو تصحيح مشكلة صحية، أو خلل ظاهر لابد من تصحيحه، أو تشوهات جسدية، فيساعد ذلك في رسم البسمة للمريض وإدخال السعادة إلى قلبه.

إما الوقت الحالي أصبح لدى بعض النساء هوس لعمليات التجميل حتى تطور الحال إلى "الاستنساخ" أي التشبه ببعض الشخصيات العامة أو المشهورة، أو التقليد ، أو تغيير الملامح، أو اتباع موضة جمالية معينة، أو البحث عن الكمال، مما أدت لنتائج سلبية حيث تشوهت الكثيرات،وندم البعض منهن، والأدهى من ذلك إقبال فتيات بعمر الزهور لإجراء عمليات التجميل ليست مرة واحدة بل عدة مرات، وخاصة أنهن في طوري النمو والتكوين، وهوس بعض السيدات بتغيير مظهرهنّ بالكامل لعدم رضاهنّ التام بمظهرهنّ الحالي.

لقد أصبح الاستنساخ التجميلي منتشر كانتشار النار في الهشيم، وجعلت من أشكال النساء شكلاً متشابهاً، ونسخ مكررة مما يوقع الآخرين في حيرة من أمرهم من هذه ومن تلك! ولم تقتصر عمليات التجميل عليهنّ، بل انتقلت تلك الظاهرة لفئة الشباب مما أدى إلى طمس للهوية والذات والسمات الشخصية.

أذن ما سبب الإقبال على تلك العمليات التجميلية وصرف مبالغ مالية طائلة!، دون إدراك لسلبيات تلك العمليات وخطورتها ومضاعفاتها وهدراً للمال؟! وماهي العوامل التي ساعدت انتشارها بين جميع الفئات العمرية؟
فمن أبرز العوامل التي ساعدت انتشار هذه الظاهرة هي؛ مواقع التواصل الاجتماعي والإعلام المرئي التي غيرت مفهوم الجمال عند المرأة وحصرته في مقاييس معينة، مما أدى لشعورها بالنقص وزعزعة ثقتها بنفسها، و ايضا عدم توجيه وتوعية بعض الأُسر وزرع الثقة فيهم ونصحهم بالعزوف عنها، أو تشجيع بعض الأُسر بإجراء تلك العمليات للتباهي واتباع الموضة، من دون إدراك خطورة الأمر، وكذلك الإعلانات التي انتشرت بكثرة لجذبهم في التغيير والبحث عن الجمال المتكامل، وايضا عدم الثقة بالنفس، وهوس التقليد للمشاهير ، والشعور بالنقص، والتنمر وغيرها من الأسباب التي أدت لتفاقم تلك الظاهرة، التي قد تنهي حياة البعض منهم أو تشوهه وبعدها لا يمكن إصلاح العطار ما أفسده الدهر.

فما الحلول المقترحة، للحد من تلك الظاهرة، لابد من التوعية والتوجيه والتثقيف من قبل الأسرة، ودور الأخصائي النفسي والاجتماعي بالتنبيه والتوضيح ما الهدف من عمليات التجميل ؟! وكذلك جراح التجميل بأن لا يجعل من كسب المال هدفه وأن يكون نزيهاً في تعامله مع مريضه بأن إجراءات تلك العمليات لأسباب معينة، وإنقاذ ما يمكن إنقاذه.

فأن عملية التجميل سلاح ذو حدين أما يجعل الشخص قبيحًا أو جميلًا ، والله عز وجل خلقنا في أحسن تقويم، و الجمال الحقيقي هو جمال الروح الذي ينبع من الداخل وينعكس على الظاهر، وكلما ازداد الشخص قناعه بشكله الخارجي كلما ازدادت ثقته بنفسه، والتفت إليه الآخرين وتأثروا من أسلوبه وشخصيته المميزة، ويجب أن تكون هناك قناعة تامة بأن عمليات التجميل لها حالاتها وضوابطها الخاصة بها التي تستوجب الخضوع لها، وعدم التبعية، والتشبه بالآخرين، لينعم بالسعادة والرضى التام بما كتبه الله عز وجلّ له.
image
بواسطة : لمياء عبدالله النفيعي
 0  0
التعليقات ( 0 )
أكثر